سيرة الفجر , السيرة الشعرية لفيصل البريهي

598899_493984190651518_1247358998_nسيرة الفجر السيرة الشعرية لفيصل البريهي

لقد كان يوم ميلاد أول قصيدة كتبتها يوماً كئيباً في مكانٍ كئيب قد لا يروق لأحدٍ أن يتكلم عنهُ أو يسمعه….حيث ُ كنت في الثالثة عشرة وبضعة أشهر في عمري وأنا بين أربعة جدرانٍ مغلقة ومظلمة ومظلمة تحت الأرض أيّ بين أضلع سجنٍ تعسُّفي نتيجة شريعةٍ على أرضٍ في جبال البلاد الصمَّاء بين والدي وأحد المشائخ النافذين في الدولةِ آنذاك وذلك في عام 1980م وهو تاريخ التحاقي بالقوات المسلحة حيث وشكى بي هذا الشيخ إلى قائد المعسكر الذي بدورة آمر بسجني ظلماً وعدواناً لمدة ثلاثة أيام فقط ثم قيَّظ الله لي أحد الضباط الشرفاء المقربين من القائد حيث أشار على القائد بأن هذه قصّةٌ مفبركة للضغط على والدي بالتنازل عن الأرض وأن القضية في يد رئيس المجكمة خاضعة للقضاء مما دفع بالقائد إلى إطلاقي ولكن بعد إن قضيت ثلاثة أيام في الحبس لجأت فيها إلى القلم والأوراق وبدئت أكتب(خربشاتي الأولى) ومنها قصيدة شديدة التهكُّم على كل من تآمر في حبسي وكانت باللهجة العامية(الشعبية) ولكنها ما مضت سوى أيام حتى نسيتها ….وبما أنها كانت البداية كان كل من سمعها يشجعني ويدفعني الى كتابة الشعر إضافةً إلى تعلُّقي الشديد بقراءة وسماع الشعر فكانت دافعاً قوياً نحو كتابة القصيدة الشعبية في شتى مضامينها كما أنها كانت أيضاً متناسبةً مع مستواي الدراسي الذي لم يتجاوز المرحلة الأبتدائية إضافة الى مفهوم الشارع العام الذي تُعد القصيدةِ الشعبية من أهم مقوماته التراثية وعاداته وتقاليده اليومية والمناسباتية …. المهم أنني منذُ ذالك الحين ظللت متابعاً لكتاباتي كما أنني كنت مهتماً إهتماماً بالغاً بإقتناء الكتب الأدبية والثقافية وكتب اللغة (النحو ، والصرف) والتصفح الدائم للكثير من الصحف والمجلات المحلية والعربية حتى 1985م تقريباً حيث كان قد تكوَّن عندي رصيدٌ ثقافيٌّ لابأس به فبدئت بكتابة القصيدة الفصحى تزامناً مع قرائتي المتواصلة للشعر العربي بشكل عام إلاّ أن أكثر ماقرأتهُ وتأثَّرتُ به هي كتب الشعر واللغة في الصدر الإسلامي والعصرين الأموي والعباسي إضافةً إلى الشعر الجاهلي …. وقد تمكنت بحمد الله من إمتلاك ناصية اللغة وأساسيات الشعر في فترةٍ وجيزة. فضللت على هذه الحال حتى أواخر التسعينيات من القرن الماضي وأنا أُغرّدُ خارج السرب أي خارج الساحة الثقافية بشكل عام ولمدة تقارب العشرين سنة وكان ذالك تهيُّباً في نفسي من مقابلة عمالقة الشعر في اليمن مثل الأساتذة الكبار (كالبردوني ، والمقالح ، والشرفي ، والحضراني ، وغيرهم من عمالقة الشعر العربي في اليمن) حيثُ كنت أتوقع أن مثولي أمامهم سيكون محل إحتقار لما يملكونه من مكانةِ وشهرة في قلوب الملايين بينما لا أملك مقارنةً بهم ولا 01.% وكان ذالك ظناً سيِّئاً مني نحوهم وخطأً فادحاً ولكنهُ غير مقصود حتى ساقتني الأقدار في أحد الأيام من آواخر عام 1999م إلى منزل الأستاذ الشاعر الكبير/ حسن الشرفي والذي قرأت في مجلسه عدداً من قصائدي (الشعبية ،والفصيحة) فأستمع الي استماع المحب الشغوف فعاتبني عتاباً غير يسير على إهمالي وعدم تفاعلي مع المشهد الثقافي وكذالك عدم نشري لهذه القصائد وطباعتها في ديوان فكان لذلك الموقف في نفسيتي أثرهُ البالغ حيث انعكست بوصلت الظن والتصوُّر الخاطئ الذي كنت أكنّهُ في نفسي 180ْ درجة فوجدت أن من كنت أتوقعهم مغرورين ومتكبرين أكثر الناس تواضعاً وأخفهم أرواحاً بل وأكثرهم حباً لغيرهم. ولن أنسى ذلك اليوم الذي كان بوابة ولوجي إلى المشهد الثقافي حيث أكثر من ثلاثين قصيدة وضمَّيتها في مجموعة شعريةٌ تحت عنوان (بسمة في شفاه الفجر) والتي كتب مقدمتها الأستاذ/حسن عبدالله الشرفي وهي أُولى دواويني ولكنها الثالثة إصداراً حيث ظلت حبيسة في أدراج بعض المؤسسات الثقافية التي كانت قد وعدت بطباعتها ثم انتقلت إلى أدراج وزارة الثقافة ولكن ذلك كان في مصلحتي بما أنها كانت أُلى تجاربي فإنها لا تخلو من الضعف والركاكة بحيث لا يستمتع بها كثيرٌ من النخبة القراء إذ كانت فرصةً سانحةً لديواني الأول إصداراً (أسرار الرماد) والذي كتبته وأنا محتكٌ بالشعراء والأدباء في الساحة الثقافية فكانت قصائدهُ أكثر قوةً وانضج تعبيراً فكان ضهورهُ ظهوراً مفاجئاً لرواد الثقافة في بلادنا …. ولكني قبل صدوره لم أكن قد ألتقيت بالدكتور والشاعر الكبير/عبدالعزيز المقالح والذي كان لجهلي به وعدم قربي منه في نظري من كبار مروَّجي الحداثة في الوطن العربي أي أن نظرتي إليه كانت عكس نظرتي للاستاذ/عبدالله البردوني الذي التزم الأصالة شكليّاً مدى حياته رغم أن الأقدار لم تسمح لي بلقاء الشاعر البردوني ورغم هذا وذاك كنت أقرأ لكليهما معظم ما يكتبانه إضافةً إلى بقية الشعراء ومن عجائب الأقدار أنهُ عام 2001م تحديداً بعد أحداث 11سبتمبر كنت قد كتبت عدداً من القصائد في هذه الأحداث وكنت قد عزمت على نشرها في صحيفة الثورة إلاّ أن أحد أصدقائي وهو موظف في وكالة سبأ للأنباء قد أصر عليَّ وأخذها مني ونشرها في صحيفة (الرآي العام) التي كان يدير صفحتها الثقافية الأستاذ/أحمد الخوربي وهو لا يعرفني ولا أعرفه ولكنَّهُ كان يعرف جودة الشعر حق المعرفة فقام بنشر تلك القصائد وأخرجها إخراجاً غير عاديٍّ ممّا دفعني للتعرف به وكان أيضاً يعمل مديراً عاماً في مركز الدراسات والبحوث اليمني فلما اطلّع على ديواني (أسرار الرماد) أصرَّ عليّ أن يكتب مقدمته الدكتور/عبدالعزيز المقالح وأنا لم أكن راغباً في ذالك لأن الكتور كان في نظري حينذاك هو في التيار المعاكس للشعر العمودي (الأصالة) ….ورغم ذلك أخذه مني وسلَّمه للدكتور /عبدالعزيز المقالح فرضيت في ذلك مجبراً فأضمرتُ في قرارة نفسي ان الدكتور سيكتب له مقدمةً تقلِّل من هيبة الديوان ولكن العكس هو الذي حصل لقد كتب له مقدمةً لم اكن أتوقَّعها ثم قمت بزيارة الدكتور لإستلام المقدمة منه فوجدت أن الرجل ليس ذاك الذي كنت أرسم عنهُ صورة قائمةً في مُخيِّلتي ولن أكون مُبالغاً لو قلت أني وجدتُ الإنسانية مجتمعة في شخصية ذلك الرجل(الدكتور/المقالح) فغيّرت نظرتي نحو جميع من حولي ومن خلال توقُعاتي الخاطئه ونتائجها العكسية والتي أضعت فيها ما يقارب العشرين سنة قررت أن أنذر ما تبقّى من أيام حياتي وأن أبذل كل ما في وسعي في خدمة الأجيال الشابه خوفاً من أن يقع الشباب في ما وقعت فيه أنا من تصوُّراتٍ وتوقُّعاتٍ خاطئه وأن أحاول جاهداً في أن أُذيب برازخ الوهم التي تحيل بينهم وبين من هم أكبر منهم شهرةً في الساحة مع حرصي الشديد في أن يستفيدوا من خبرتهم وتجاربهم. وقد أشتركنا مع عددٍ من الشعراء في تأسيس ملتقيات للإبداع لكي يتمكن الشعراء الشباب خاصةً منهم الناشئون من الإلتقاء بالشعراء الأقدم منهم والأشهر وتحطيم كل الحواجز التي كانت تقف حائلاً بين مَن قبلهم ومن خلال هذه الملتقيات لمسنا أن الكثير من الشعراء الشباب كان لديهم نفس الإنطباع الذي كان لدينا ولكنه سرعان ماتلاشى في سنينهم الأولى ولا أنكر في أنا أستفدنا كلنا من بعضنا ومازالت هذه الملتقيات والمنتديات قائمةً حتى اليوم تقيم فعاليات أسبوعية غير رسمية خاليةً من التأطير والتجبير ففي هذه المنتديات تُتاح الفرصة لكل الحاضرين للقراءات والنقاش المفتوح والأخذ بكل النظريات السليمة والقيمة حتى من الشباب ولعل هذا الأسلوب كان من انجح أساليب النضوج الفكري على المستوى الشعري والنقدي في آنٍ واحد. ولم تكن هذه المنتديات حصراً على الشعر والنقد فحسب بل تكوَّنت لتتَّسع كل الفنون كالقصة، والرواية ، والمسرح ، والإنشاد ، والفن التشكيلي ، والكاريكاتير وغيرها. • علاقتي بالشعر. أما علاقتي بالشعر فإنها كعلاقة الماء بالحياة وعلاقة الأضواء بالشمس والنجوم ، وعلاقة العطر بالزهور ….الخ علاقة روحية وفكرية ونفسية أو بالإيجاز علاقةٌ كلِّية ملازمةٌ لكل ظروف حياتي ….كما أن الشعر كونٌ آخر وعالمٌ آخر لا تحدهُ حدود ولا يحتويه تعبير ولا ترسم معالمهُ صفات وقد اختلف الكثير من الشعراء في تعريف الشعر وقد حاول الكثير تصويرهُ حسبما يراه مناسباً لحالته التي يعيشها وما شأني بالآخرين ؟ وسأحاول أن أقتطف بعض الأبيات التي تكلمتُ فيها عن الشعر في حالات مختلفة ولاشيء في هذه الحياة يشبه الشعر سوى الحب هذا من وجهة نظري ومن بعض ما قلت فيه. الحُب كالشعر في الوجدان تجربةٌ ولا شيء في هذه الحياة يشبه الشعرُ كذلك المقطع الأول من فاتحة ديوان (أسرار الرماد) هو الشعر مَن أضحى به مغرماً أمسى رهيناً لهُ يلقى بهِ السَّعدَ والنحسا يداعب أطياف الخيال كانها نهود العذارى البكر ناعمةً مِلسا هو الروضة الغنّاء والظلّ والندى هو الغادةُ الحسناء والأعين النعسا هو الشعر مرآة الخفايا يُريكها مشخّصةٌ لا شك فيها ولا لبسا ومن ذلك أيضاً ما يصوَّر علاقتي بالشعر اصطفاني لنفسهِ الشعرُ حتى لا أرى في سواه داري وأهلي كلما جئتُ باحثاً عن حياتي في سواهُ أقرّ موتي وقتلي وهناك الكثير الكثير ما تكلمت عن الشعر فيه مُثبتاً في العديد من القصائد في جميع دواويني الشعرية. ولست مع من قال أو يقول إن الشعر هو الكلام المنظوم الموزون المقفى فكم من قصيدةٍ تبلغ المئات من الأبيات الموزونة ولكنها مجرد عمود محكوم التفيعلات العروضية فإذا بها خاليةٌ وجافةٌ من كل صفة يتَّصف بها الشعر الحقيقي كالصحراء القاحلة الجرداء التي لا يوجد فيها ماء ولا مرعى وهذا الحكم ثابت منذُ زمنٍ بعيد ليس فيها أيام أو عصر الحداثة كما يزعمون فحسب بل من قبل ألف وخمسمائة سنة وهذا ما يثبته القرآن الكريم في أكثر من موضع حيث اختلف المشركون فيه فمنهم من ذهب وقال«إنّهُ شعر» ومنهم من قال أن الرسول شاعر والقرآن الكريم بين أيدينا وكلنا نعرف بأن القرآن الكريم غير ملتزم بعلم العروض وهو جاء في زمن الفصاحة والبلاغة ولم يكن هناك ما يسمى بشعر التفعيلة أو قصيدة النثر …. أما اليوم في عصر الحداثة فإن الشعر في نظري قد يكمن فيما هو أبعد من المسموع والمقروء أي قد يوجد الشعر حتى في المرئيات كانسياب الماء وتراقص أغصان الشجر وغير ذلك والتامل في الطبيعة ….دعونا حتى نغرق في هذا كثيرا …. ولنتحدث عن الشعر المألوف ففي نظري أن الشعر الحقيقي هو مجموعة الأدوات التي يمتلكها الشاعر ويستطيع بها أن يجرِّ مشاعر الآخرين وعواطفهم ويجذبها إليه جذباً لا إرادياً مُستحبّاً ومُستعذباً كما قال الشاعر إذا الشعر لم يهززْكَ عند سماعهِ فأحرى بهِ الاّ يُقال لهُ شعرُ كما أن الشعر هو الأداة الوحيدة التي إن استطعت أن تحرِّك بها مشاعر شخص أو شخصين أستطعت أن تحرك بها مشاعر الملايين في أماكن وازمنة مختلفة. كما أن الشعر حسب إعتقادي عند غيري كما هو عندي بأنهُ وليد المعاناة في الغالب وبما أنّهُ وليد المعاناة فإنَّهُ مواقف مرّ أو يمر بها الشاعر برداً كانت أو سخونةً، قساوةً أو ليناً ، أفراحاً أو أحزاناً ….الخ ولكنني شخصياً أغلِّبُ المواقف القاسية والحزينة على غيرها في حياة الشاعر وأكثر المواقف حظاً من الشعر هو الحب الذي لا يخلو منهُ قلب بشر ولكل شاعر حظهُ من الحب ولكن مواقفهم من الحب تتباين وتختلف فمنهم من يشتكي من الحب ومنهم من يطلب المزيد قال الشاعر تشكّى المحبون الصبابةَ ليتني تحمَّلتُ ما يلقون من بينهم وحدي فكانت لقلبي لَذَّةُ الحب كلها فلم يلقها قبلي محبٌ ولا بعدي وأنا أحد الشعراء ونصيبي من الحب سأترك تحديدهُ لمن يقرأون شعري بقلوبهم ومشاعرهم وقد عبّر نزار قباني عن هذا بيتٍ لا أحفظهُ كما هو ولكن سأوردهُ كما أراهُ صائباً: في أحرفي قلبي ويجهلني من لا يرى قلبي على ورقي ولكني هنا أُأَكد أن الحب الحقيقي أو ما يسمى (بالهوى العذري) لا يُعطاهُ إلا القليل من الشعراء وغير الشعراء وأنا أعتبرهُ بالفعل تجربةً ممنوحةً من الله كالشعر…. الحب مِن وحي السماوات منزَّلٌ فينا شديد العهد والميثاقِ الحب فينا نعمةٌ مكتوبةٌ مقسومةٌ في الناس كالأرزاقِ إنّ الحياة بدون حبٍّ وحشةٌ مسلوبة الألوان والأذواقِ وأنا هُنا أختلف مع الشاعر الذي يقول: الحبُّ في الأرض ضرَبٌ من تخيُّلِنا لو لم نجدهُ عليها لاخترعناهُ كما أعتقد أن الكثير من الناس سيختلف معي في هذا ولكني سأظل مُتمسكاً برأيي غير مُتَّكيءٍ على الأوهام أو مُتشبِّثٍ بالفراغ الذي يأتي منهُ أو يظل حائماً حولهُ الكثيرين من الشعراء لأني عشت حقيقةً واقعيةً مع الحب يعرفها الكثير من أصدقائي وزملائي الشعراء وعلى رأسهم صديقي وأستاذي الحبيب الدكتور/عبدالسلام الكبسي الذي حكيت لهُ الكثير عن قصتي مع الحب ومع من أحببت وقد كتب بقلمه لمحات من هذه القصة في جلسة مقيل في بيت الشعر حيث كنت أقصها عليه وعلى بعض الشعراء الذين كانوا حاضرين معنا ومن الشعراء الذين شهدوا بأم أعينهم أحد لقاءاتي بمحبوبتي وملهمتي فتأثروا بما شاهدوا تأثّراً بالغاً هو صديقي وزميلي في درب الأدب الأستاذ الشاعر/إسماعيل مخاوي فكتب عن ذلك المشهد قيداً بائيةً رائعةً ولم يزل محتفظاً بها ولم أذكر منها سوى بيتين مفترقين في القصيدة: وردتني عنهُ أحاديث عشقٍ غير ما قدرواهُ عنه الصحابهْ ويحَهُ كان خالياً فتمنَّى فإذا الإمنيات تطرقُ بابَهُ وهي من قصيدة طويلة أرتجلها ارتجالاً في نفس الموقف. وقد كتبت فيها العديد من القصائد العاطفية وأوردتها في دواويني الشعرية الخمسة الأولى موشومةٍ بنبراتها ونغماتها العاطفية المتدفقة والتي يستطيع أن يفهم مضمونها كل صاحب تجربة عاطفية حقَّة ويميِّزها دون غيرها بيد أني كتبت عدداً آخراً من القصائد الغزلية ذات الطابع الوصفي حسبما يمليه عليَّ الخيال الشاعري حتى اكتشفت أنّ لهذه القصائد جمهوراً واسعاً وهم من عُشّاق الجمال والأوصاف الناعمة ولكنهم ليسوا من أصحاب التجربة العذرية العاطفية كما أسلفتُ…وقد استمرتْ هذه القصة لمدة تربو عن العشر سنين حتى اعترضتنا الأقدار ففرقت بيننا ولكنها لم تزل معلَّقةً في ملف الغيبيات قيد التنفيذ وقد وقعت بين خيارين مُرَّين بين المغامرة غير المحسوبةَ العواقب وبين خراب بيتي وفقد عائلتي فقرّرت أن أحافظ على بيتي وعائلتي وتركت الخيار الآخر في يد الأقدار ويعلم الله أنني طول تلك السنوات لم أشهد لها خداً ولا لمست لها يداً ولكننا ظللنا وحتى بعد ثمان سنوات من فراقنا مرتبطين قلوباً وأرواحاً وهذه الإعترافات كلها تأتي من باب حرصي على الأمانة. • توجّهاتي في رحلتي الشعرية: لي كغيري من الشعراء عدة توجُّهات بينما نحن في رحلة واحدةٍ ودربٍ واحدٍ في كلهِ متعرج في مضمونه ما يمرُّ السائر عليه الاّ خطوات حتى يتفاجأ بعدة مفترقات تؤدِّي إلى العديد من الإتجاهات سواءً كانت إختياريةً أو إجباريةً وأي إتجاهٍ يمرُّ فيه الشاعر لا يمكنهُ الوصول إلى غايته أو العودة منه كما هي أقدار الشعراء….المهم أني خضتُ التجربة مع الشعر (الشعبي) والفصيح في آنٍ واحد ومسيرة شعرية واحدةٍ….وقد كانت رحلتي مع الشعر الشعبي موفَّقةً إلى حدٍ لا بأس به بالنسبة للداخل اليمني حيث أن جمهورهُ أوسع من الشعر الفصيح إذ أن لغتهُ وتعبيراتهِ أقرب إلى مفهوم العامّة من الناس ويعتبرُ وسيلةً سهلةً للتعبير عمّا يجول في خواطر الكثير من الناس وأسلوباً ملامساً للهموم وتطلعاتهم بطرقٍ فطرية وعفوية غير متكلفة ويستخدم في الكثير من المناسبات كالأعراس والحروب والأعياد كما يُسهم أيضاً في حلِّ الكثير من المشاكل بما فيها مشاكل القتل التي قد تستعصي أحياناً على القضاء فتُحلّ ببيتين من الشعر الشعبي أو ما يسمى با(الزامل ) في العديد من المناطق اليمنية….. إضافةً إلى إكتساب الشاعر الكثير من المعارف والوجاهة في أوساط المواطنين نظراً لكثرة إحتكاكه بهم في مُعظم الأوقات وإنشاده فيهم لبعض قصائده خاصةً في جلسات (المقيل) كما أن الشعر الشعبي يشترك في تناول العديد من القضايا مع الشعر الفصيح ولكنَّهُ لا يحل محله في أي حالٍ من الأحوال رغم مساجلتي لعددٍ من كبار شعراء الفصحى ومنهم الأستاذ الشاعر الكبير/حسن عبدالله الشرفي وقد وردة في أعمالهِ وفي أعمالي الشعبية كتوثيق لنوع من أنواع التراث اليمني الأصيل …..الخ. وفي أحد الأيام جمعتني الأقدار في منزل الشاعر الكبير /إبراهيم الحضراني رحمهُ الله بالدكتور /قاسم سلاّم وذلك في عام 2002م تقريباً حيث طُلب مني أن أقرأ عليهم بعضاً من قصائدي الشعبية وبعضاً من الفصحى فلبَّيت طلبهم وكما أني أمقمتُ الحزبية والتحزُّب قررت أن أقرأ عليهم بعض القصائد التهكمية على الأحزاب والمتحزبين مع علمي بأن الدكتور سلاّم هو رئيس حزب البعث في اليمن ولكنه أبدى إعجابه بما سمع مني الاّ أنَّهُ حاول أن يستدرجني للأنظمام إلى حزبه إلاّ أني أقنعتهُ بأني شاعر والشاعر يجب أن يكون إنسانياً مطلقاً وقد فاجأني بعرضهِ عليَّ إما أن يشتري كمية من ديواني الأول (أسرار الرماد) بالسعر التشجيعي أو أن يطبع لي ديواناً شعرياً على حسابه فأخترت أن يطبع لي ديواناً فأبدى إستعدادهُ ولكني اشترطت عليه أن يطبع القصائد التي أختارها دون أن يستبعد منها شيئاً فوافق على شرطي واشترط عليّ أن يقدمه الأستاذ/ابراهيم الحضراني فقبلت وأنا أتشرف بذلك فكتب الأستاذ/الحضراني جزءاً من المقدمة ثم اعتذر مني لكبر سنه وعرض عليا أن تكتب له مقدمة الدكتورة/بلقيس الحضراني فوافقت على ذلك فبعث إليّ في اليوم الثاني مبلغاً قدرهُ 150000ريال وهو الشيء الذي لم أكن أتوقَّعهُ منه أبداً فطبعت ديواني الثاني (روائح الصمت) ثم أكملت مشواري الشعري فطبعت الديوان الثالث(بسمةٌ في شفاه الفجر) ثم الرابع وهو عبارة عن أعمالي الكاملة الديوان الشعبي (بروق الخريف) وفي عام 2006م طبع الأستاذ/خالد الرويشان وزير الثقافة الديوان الخامس(إنتحار الزمن) ثم توقفت عن إصدار الدواوين وانشغلت بتأليف بحث عسكري تحت عنوان(الثقافة العسكرية وانعكاساتها على حياة الرجل العسكري) وقد أستغرق من الوقت ما يزيد عن السنتين ولكنَّهُ لم يزل مخطوطٌ حتى الآن. ومن عام 2010م استأنفت كتابة الشعر مرة أخرى حتى أصدرت ديواني السادس (عزفٌ على أوتار الجراح) في عام 2013م ومازالت لدي دواوين أُخرى قيد الطبع حتى يأذن الله بالإفراج عنها وإخراجها إلى حيز الوجود.